الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح سنن الترمذي
37253 مشاهدة
باب ما جاء في الأوقات التي يستحب فيها النكاح

باب ما جاء في الأوقات التي يستحب فيها النكاح.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن عروة وعن عروة عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال. وكانت عائشة تستحب أن يبنى بنسائها في شوال .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث الثوري عن إسماعيل بن أمية .


ذكروا أن بعض العرب كانوا يكرهون النكاح في شوال؛ لأنه قبل الأشهر الحرم؛ فلذلك خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فعقد على عائشة فيه، وبنى بها –يعني- دخل بها فيه بعد ثلاث سنين في شوال فحظيت عنده؛ كانت أحظى نسائه عنده، وكانت أحبهن إليه وأقربهن منه مكانة.
فلذلك رأت عائشة أن هذا لمخالفة المشركين ونحوهم، أو أن هذا على وجه الاستحباب؛ فاستحبت أن يبنى بنسائها في هذا الشهر.
والصحيح أنه ليس لشهر شوال مزية على غيره؛ ولكن أراد بذلك قطع العادة الجاهلية؛ فيجوز في شوال ويجوز في ذي القعدة، ويجوز في أية شهر وأية وقت مناسب يكون البناء ويكون العقد، ولا يكره في زمن من الأزمان.
وما كان أيضا عند أهل الجاهلية من كراهة السفر في صفر وكذا النكاح، وكذلك المعاقدات ونحوها، ويتشاءمون من شهر صفر هذا أيضا لا حقيقة له؛ فالأشهر كلها عند الله سواء، ولا يجوز لأحد أن يعتقد في شهر من الأشهر أو في سنة من السنين أنها تؤثر أو أنها تضر أو أنها تفيد أو تؤثر بنفسها؛ فإن هذا اعتقاد الجاهليين الذين يسبون الدهر، وفي الحديث القدسي : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر .
فلا يجوز أن تسب الأيام ولا الأشهر، ولا يقال: هذا شهر مشئوم، وهذا يوم مشئوم ونحو ذلك. إنما الأيام خلق الله –تعالى- وإذا وقع في شهر أو في يوم عذاب أو موت أو نكبة أو نحو ذلك فليس ذلك بشؤم اليوم؛ وإنما هو من شؤم أهله الذين عملوا فيه هذه الأعمال.
وعلى هذا لا يعتقد في شهر أنه مشئوم ولا أنه ميمون خاصة إلا الأشهر التي فضلت بنص شرعي، تفضل فيها الأعمال كرمضان، وعشر ذي الحجة وما أشبهها.
أسئـلة
س: يقول عن عائشة وكانت عائشة تستحب أن يبنى بنسائها في شوال. ألا يكون هذا يا شيخ مستندا أنه يستحب الزواج في شوال استنادا لقول عائشة ؟
قد يقال: هل النبي -صلى الله عليه وسلم- خص شوال لأجل بركته، أو خصه لأجل قطع العادة الجاهلية؟ والراجح أنه خصه لقطع العادة الجاهلية، ولعلها فعلت ذلك لهذا الأمر؛ أنها تريد أن يعرف الناس أن ابتعادهم عن العقد والبناء من هذا الشهر لا أصل له، فأرادت أن يكثر الذين يبنون بزوجاتهم فيه حتى تنقطع العادة الجاهلية، لعل هذا هو الأقرب.
جزاك الله خيرا.